أولا إلى عالم الصور المقدارية الّتي بلا هيولى ، وينتهي منه إلى العالم العقلي ، كما ذكره المعلّم الأوّل ، فإذا انتهت إلى ذلك العالم الصوري ، فتصير إمّا من أشجار الجنّة إن كانت ذات طعم جيّد ، كالحلاوة ونحوها ، طيّبة الرائحة ، أو من أشجار الجحيم إن كانت رديئة الطعم ، مرّة المذاق ، كريهة الرائحة ، كشجرة الزقّوم ، طعام الأثيم.
وأصول هذه الأشجار تنتهي إلى سدرة المنتهى ، (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) (١) ، كما أنّ جميع النفوس تنتهي أولا إلى النفس الكلية الّتي فوقها العقل الكلّي ، وهو مأوى النفوس الكلّية ، كما أنها منتهى النفوس الجزئية (٢).
وصل
وأمّا الجماد والعناصر ، فقد دريت أن لها ـ أيضا ـ نفوسا ملكوتية في عالم المثال ، غير العقول الّتي لها في العالم الأعلى ، من أرباب الأنواع ، وأنها متقوّمة بتلك النفوس ، كما أنّ تلك النفوس متقوّمة بتلك العقول ، فحشرها إنّما يكون إلى تلك الصور النفسانية لا محالة، ثمّ إلى ما فوقها.
قال أستاذنا ـ دام ظلّه ـ : ومن الشواهد العرشية الدالّة على أنّ لهذه الصور الطبيعية صورا نفسانية ، هي معادها وباطنها ، وأخرى عقلية ، هي معاد معادها ، وباطن باطنها : أنّا متى أحسسنا بشيء خارجي ، وقعت له صورة غير صورتها الخارجية في قوانا الحسّاسة الّتي هي من جنس الحيوانات المقتصرة على
__________________
(١) ـ سورة النجم ، الآية ١٥ و ١٦.
(٢) ـ الأسفار الأربعة : ٩ / ٢٥٦.