النفس الحسّاسة فقط ، فإذا وقعت تلك الصورة في حسّنا ، واستكمل بها الحسّ ، حصلت من تلك الصورة صورة أخرى ، ألطف وأشرف منها ، فتصوّرت بها قوّة خيالنا الّتي دلّت البراهين ـ الّتي أقمناها ـ على تجرّدها ، وتجرّد ما ارتسم فيها ، وتمثّل لها ، وكذلك انتقلت من الصورة الّتي في قوّة خيالنا صورة أخرى عقلية إلى قوّة عقلنا ، فلو لا أنّ بين محسوس كلّ طبيعة ومتخيّله ومعقوله علاقة ذاتية ، كما بين حسّنا وخيالنا وعقلنا من الرابطة الاتّحادية ، لما كان كذلك.
وكذلك الأمر ـ على عكس ذلك الصعود ـ في سلسلة النزول ، فإنّا متى تعقّلنا صورة عقلية وقعت منّا حكاية مثالية مطابقة لها في خيالنا ، وإذا اشتدّ وجود الصورة في عالم الخيال انتقلت منه في قوّة الحسّ (١) ، وتمثّلت بين يدي الحسّ صورة في الخارج ، كما قال تعالى : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) (٢) ، ومن هذا القبيل رؤية النبي صلىاللهعليهوآله جبرئيل والملائكةعليهمالسلام في هذا العالم.
فقد ثبت أن لكلّ صورة طبيعية في عالم الشهادة صورة نفسانية في عالم الغيب ، هي معادها ، ومرجعها الّذي تحشر إليه بعد زوال المادّة ودثورها ، وهي الآن أيضا متّصلة بها ، متقوّمة بقوامها ، راجعة إليها ، لكنها لمّا كانت مغمورة في غمرات الظلمات والأعدام ، غريقة في بحر الهيولى والأجسام ، لا يستبين حشرها إلى تلك الصورة النفسانية المقيمة لها ، إلّا لأهل المعرفة والشهود ، فإذا انفسخت هذه الصورة بدثور مادّتها ، وتجرّدت عن غواشيها الجسمانية الّتي هي مقبرة ما في علم الله ، برزت صورتها من هذه المكامن والمقابر إلى ذلك العالم ،
__________________
(١) ـ هكذا في المخطوطة ، وفي المصدر «انفعلت منه قوّة الحسّ».
(٢) ـ سورة مريم ، الآية ١٧.