الحسان ، من الحور ؛ لأنّ طبائعهم تقتضي ذلك.
ألا ترى الجعل على طبيعة يتضرّر بريح الورد ، ويلتذّ بالنتن ، والمحرور من الإنسان يتألّم بريح المسك ، فالّلذات تابعة للملائم ، والآلام تابعة لعدمه (١).
وقال أيضا : إنّ النار قد تتّخذ دواء لبعض الأمراض ، وهو الداء الّذي لا يشفى إلّا بالكي من النار ، كقوله : (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) (٢) ، فقد جعل الله النار وقاية في هذا الموطن من داء هو أشد من النار في حقّ المبتلي به ، وأيّ داء أكبر من الكبائر ، فقد جعل الله لهم النار يوم القيامة دواء ، كالكي بالنار ، فدفع بدخولهم النار يوم القيامة داء عظيما ، أعظم من النار ، وهو غضب الله ؛ ولذلك يخرجون بعد ذلك من النار إلى الجنّة ، كما جعل الله في الحدود الدنياوية وقاية من عذاب الآخرة (٣).
وقال المحقّق كمال الدين عبد الرزاق الكاشي (٤) في شرحه للفصوص : إنّ أهل النار إذا دخلوها ، وتسلّط العذاب على ظواهرهم وبواطنهم ، ملكهم الجزع والاضطراب ، فيكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، متخاصمين ، متقاولين ، كما نطق به كلام الله في مواضع ، وقد أحاط بهم سرادقها ، فطلبوا أن يخفّف عنهم العذاب ، أو أن يقضى عليهم ، كما حكى الله عنهم بقوله : (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) (٥) ، أو أن يرجعوا إلى الدنيا ، فلم يجابوا إلى طلباتهم ، بل
__________________
(١) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ٢ : ٦٤٨.
(٢) ـ سورة التوبة ، الآية ٣٥.
(٣) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ٢ : ١٦١.
(٤) ـ تقدّمت ترجمته في هذا الكتاب ، في ص؟؟؟؟.
(٥) ـ سورة الزخرف ، الآية ٧٧.