أخبروا بقوله : (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (١) ، وخوطبوا بمثل قوله : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) (٢) ، (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (٣).
فلما يئسوا ووطّنوا أنفسهم على العذاب والمكث على مرّ السنين والأحقاب ، وتعلّلوا بالأعذار ، ومالوا إلى الاصطبار ، وقالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) (٤) ، فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنهم ، وخبت نار الله الموقدة الّتي تطّلع على الأفئدة ، ثمّ إذا تعودوا بالعذاب بعد مضي الأحقاب ألفوه ، ولم يتعذّبوا بشدّته ، بعد طول مدّته ، ولم يتألّموا به ، وإن عظم ، ثمّ آل أمرهم إلى أن يتلذّذوا به ، ويستعذبوه ، حتّى لو هبّ عليهم نسيم من الجنّة استكرهوه وتعذّبوا به ، كالجعل وتأذّيه برائحة الورد ، لتألّفه بنتن الأرواث ، والقاذورات (٥).
وصل
قال أستاذنا ـ سلّمه الله ـ : إنّ الأصول الحكمية دالّة على أن القسر لا يدوم على طبيعة ، وإنّ لكلّ موجود غاية يصل إليها يوما ، وإنّ الرحمة الإلهية وسعت كلّ شيء ، كما قال جلّ ثناؤه : (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَ
__________________
(١) ـ سورة البقرة ، الآية ١٦٢.
(٢) ـ سورة الزخرف ، الآية ٧٧.
(٣) ـ سورة المؤمنون ، الآية ١٠٨.
(٤) ـ سورة إبراهيم ، الآية ٢١.
(٥) ـ أنظر : شرح فصوص الحكم ، للكاشاني : ١٢٣.