شَيْءٍ) (١).
وعندنا ـ أيضا ـ أصول دالّة على أن الجحيم وآلامها وشرورها دائمة بأهلها ، كما أنّ الجنة ونعيمها وخيراتها دائمة بأهلها ، إلّا أن الدوام لكلّ منهما على معنى آخر (٢).
وأشار ـ دام ظلّه ـ بذلك إلى عدم المنافاة بين عدم انقطاع العذاب عن أهل النار ، وبين انقطاعه عن كلّ واحد من أهلها في وقت ، فافهم.
ثم قال : وأنت تعلم أن نظام الدنيا لا ينصلح إلّا بنفوس غليظة ، وقلوب قاسية ، فلو كان الناس كلّهم سعداء بنفوس خائفة من عذاب الله ، خاشعة ، لا ختلّ النظام بعدم القائمين بعمارة هذه الدار من النفوس الغلاظ ، كالفراعنة ، والدجاجلة ، والنفوس المكّارة ، كشياطين الإنس ، والنفوس البهيمية ، كجهلة الكفّار.
وفي الحديث الربّاني : إنّي جعلت معصية ابن آدم سببا لعمارة العالم (٣).
وقال سبحانه : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٤) ، فكونها على طبقة واحدة ينافي الحكمة ، وفيه إهمال سائر الطبقات الممكنة من غير أن يخرج من جهة القوّة إلى الفعل ، وخلو أكثر مراتب هذا العالم عن أربابها ، فلا يتمشى النظام إلّا بوجود الأمور الخسيسة والدنية المحتاج إليها في هذه الدار الّتي يقوم بها أهل الظلمة
__________________
(١) ـ سورة الأعراف ، الآية ١٥٦.
(٢) ـ أنظر : الأسفار الأربعة : ٩ : ٣٤٧ و ٣٤٨.
(٣) ـ لم نعثر على مصدره.
(٤) ـ سورة السجدة ، الآية ١٣.