وصل
ما قرّرناه في بيان جهات حركات الأفلاك هو المشهور بين أصحاب هذا الفنّ ، والمذكور في كتبهم المدونة في ذلك.
وأمّا إخوان الصفا ـ قدّس الله أسرارهم (١) ـ فقد ذكروا في رسائلهم ما حاصله : إنّ الأفلاك كلّها إنّما تتحرك من المشرق إلى المغرب ؛ لأنّ طبيعة الأفلاك والكواكب كلّها طبيعة واحدة في الحركة الدورية ، وقصدها قصد واحد ، وإنما اختلفت حركاتها في السرعة والإبطاء ، من أجل أنها في أفلاك متحركات ، ومحرّكات ، فإنّ الفلك المحيط الّذي هو المحرّك الأوّل عن الحركة الأولى الّتي هي من النفوس الكلية يدور حول الأرض في كلّ أربعة وعشرين ساعة دورة واحدة ، والفلك المكوكب الّذي في جوفه مماسّا له من داخله يدور معه نحو الجهة الّتي يدور إليها ، ولكن تقصر حركته عن سرعة حركة محرّكه بشيء يسير ، فيتخلّف عن موازاة أجزائه في كلّ مائة سنة درجة واحدة ، ويتبعه فلك زحل الذي في جوفه مماسّا له ، ولكن تقصر أيضا حركته عن سرعة محرّكه بشيء
__________________
(١) ـ اخوان الصفا : هم جماعة من فلاسفة العصر العبّاسي ، ألّفوا في بغداد جمعية سرّية سمّوها «جمعية اخوان الصفا ، وخلّان الوفاء» في منتصف القرن الرابع الهجري ، وكانت غايتهم من تأسيس جمعيتهم القيام بدراسة الفلسفة ، ومزاولة أبحاثها سرّا ؛ لأنّ المشتغل بالفلسفة في العصر العبّاسي كان متّهما بالإلحاد والزندقة ، مرميا بالكفر ، ممّا اضطرّ الفلاسفة إلى التستّر ، وكتمان أمرهم. ولم يعرف من أعضاء هذه الجمعية غير خمسة ، هم : أبو سليمان محمّد بن معشر (نصر) النسبي (البستي) ، المعروف بالمقدسي ، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني ، وأبو أحمد المهرجاني (النهرجوري) ، والعوفي ، وزيد بن رفاعة ، كلهم حكماء اجتمعوا وصنّفوا إحدى وخمسين رسالة.
أنظر : كشف الظنون : ١ : ٩٠٢ ، وتاريخ الفلسفة لمحمد علي مصطفى : ٢١٧.