فكمال النفس إنّما يتحقّق بصيرورتها جوهرا عقليا بالفعل ، أو أعلى منه ، فيجب أن تكون تصوّراتها تصوّر أمر شريف من باب الجواهر العقلية ، أو ما هو أعلى منها ، وصورة الجوهر جوهر أيضا.
فالحاصل لنفوس السماوات في كلّ حين أمر صوري جوهري ، إمّا إفاضات متتالية متواردة عليها ، ممّا هو فوقها ، أو تجلّيات وانكشافات لها منه ، بها تقع رجوعات واتّصالات لهذه النفوس بما فوقها.
وبالجملة : يجب أن يكون ذلك المطلوب ممّا يمكن أن ينال شيء منه في كلّ حين ، نيلا تدريجيا ، حتّى تدوم الحركة الموصلة إلى المطلوب التدريجي ، نيلا تدريجيا ، فيكون تصوّر الجمال سبب العشق ، والعشق سبب الطلب ، أي الإرادة ، والطلب سبب الحركة ، والحركة سبب حصول المطلوب.
ويجب أن يكون أمرا صوريا جوهريا ؛ إذ العرض مطلقا لا يكون كمالا لجوهر موجود بالفعل ؛ إذ كمال الشيء وتمامه أشرف وجودا ، وأوكد حقيقة منه ، وكلّ عرض وجوده أضعف وأخسّ من كلّ جوهر.
فالعقول الّتي هي فواعل الجواهر السماوية ومبادئها ، ينبغي أن تكون هي المعشوقات ، وغاية الحركات لنفوس السماوات ؛ لأنّ التفات كلّ شيء في استكماله وطلبه الخير إلى ما هو علّته ومفيض وجوده ، فيكون التفات كلّ واحدة من النفوس السماوية إلى حقيقتها العقلية الّتي هي علّتها ، وربّ نوعها ؛ إذ يستحيل أن يكون معشوق الكلّ في حركتها واحدا ، كما أن العلّة القريبة للكل ليست واحدة من جميع الجهات ، وإن كان مبدع الجميع ومعشوق الكلّ ذاتا أحدية حقه بسبب كثرة الجهات العقلية والنفسية الّتي هي بالحقيقة الحجب النورية ، الّتي لو كشفت لأحرقت شدّة ضياء سبحات وجهه ، وقوّة نور جلاله ، كلّ