ما انتهى إليه بصره.
فالمطلوب في الجميع على الوجه الأشمل الأعم ذات واحدة إلهية ، ولهذا اشتركت في مطلق الحركة الدورية ، والطلب المطلق الكمالي هو الّذي أدار رحاها (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) (١).
ولكلّ واحدة معشوق عقلي متوسّط يخصّها ، ومحرّك نفسي مباشر يحرّكها ، ولهذا اختلفت الحركات والجهات ، فتكثّرت العقول حسب تكثّر الأجرام الحسّية ، وتحرّك الكرات ، فتكون النفوس هي الملائكة العملية المحرّكة بطريق المزاولة والفعل ، كتحريك الروح للبدن.
وتلك العقول هي الملائكة العملية المحرّكة بطريق العشق والشوق ، كتحريك المعلّم للمتعلّم من غير التفات وتغيّر ؛ لبراءتها عن علائق المواد ، ومباشرة الأجسام ، وقربها في الصفات من ربّ الأرباب ، جلّ جلاله ، فللأفلاك في كلّ شوق وحركة كمال وجوهر آخر ، ولها بحسب كلّ كمال جوهري حدث شوق آخر ، وحركة أخرى ، فيكون لها في كلّ آن من الآنات وصول إلى المفارق المحض ، ورجوع إلى العالم الأعلى ، وكذلك يفيض من ذلك العالم المفارق في كلّ آن على موادّها صورة جوهرية أخرى.
فهكذا تتالي الإشراقات ، وتوالي الاتّصالات ، وتنازل الإفاضات ، وتصاعد الكلمات الطيبات ، لا يزال على الاتصال ، ففي كلّ آن لها بعث وخلق جديد ، ولها في جميع الدهر حدوث واحد من الله ، وحشر واحد إليه ، وحدة جمعية ، كما قال سبحانه : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (٢) ، وقال :
__________________
(١) ـ سورة هود ، الآية ٤١.
(٢) ـ سورة لقمان ، الآية ٢٨.