نفسها الحيوانية أدركتها ، فإذا أدركتها أدركت ـ لا محالة ـ ما يلزمها من الحوادث أيضا ، وشأن النفس أن يكون توجّهها إلى بعض العلويات ، واستحضارها إيّاها ، واشتغالها بها ، يوجب ذهولها عن البعض الآخر ، فكلّ صورة لاحقة تذهلها عن الصورة السابقة ، وما يلزمها ، فلا يلزم أن تكون صور الكائنات الغير المتناهية حاصلة في النفوس السماوية دفعة.
فصل
الحق أن نسب مقادير حركات الأفلاك بعضها إلى بعض ـ باعتبار أزمنة عوداتها ـ نسب عددية ، كما يؤيده الرصد ، لا صمية ، كما ظنّ.
وعلى هذا فتتكرر الأوضاع بعد مرور مبلغ من الآلاف الكثيرة ، كما أشير إليه بقوله سبحانه : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) (١) ، فيكون بعد كلّ دورة من الأدوار كأنه قيامة عظمى ، وهي بعد انقضاء يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، وذلك بعد سبع قيامات وسطوية ، كلّ منها في انقضاء سبعة آلاف سنة ، مدّة أدوار الكواكب السبعة بالاختصاص والاشتراك ، فإنّ نفوس الأفلاك خزائن الله الجسمانية ، وعقولها خزائنه الروحانية الّتي لا تنفد ، ولا تبيد ، أزلا وأبدا ، وهي واصلة إلى الأرض على التدريج ، شيئا فشيئا ، يعني أنها إنما تصل إلى العالم العنصري بواسطة التغيّرات الفلكية ، وتبدّل أوضاعها واستحالاتها على ما سيأتي بيانه عن قريب. ولمّا استحال الجمع بين الأحوال المتجددة والتشكّلات المتفاوتة ، قال
__________________
(١) ـ سورة الطارق ، الآية ١١.