البركات ، وينفتح باب الخيرات والإفاضات ، ويتعاقب خلق المخلوقات ، وتكوين المكوّنات من الله سبحانه أبدا ، إلّا ما شاء الله ، (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (١) ، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٢).
وصل
ولمّا استحال إيجاد الجميع دفعة واحدة ؛ لتعصي المادّة عن قبول صورتين منها معا ، فضلا عن تلك الكثرة ، فقدّر الله بلطيف حكمته حركة دورية ، وزمانا غير منبتّ إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ومادّة مستحيلة من صورة إلى صورة ، على التعاقب ، ليوفي كلّ صورة ممكنة حقّها من الوجود ؛ إذ ليس وجود أحد الضدين أولى من الآخر.
وأيضا لمّا كانت المادّة مشتركة بينها ، فلكل منها حقّ عند الآخر ، ينبغي أن يصير إلى صاحبه ، فالعدل أن يؤخذ من هذا مادّته فيعطى لذاك ، ومن ذلك مادّته فيعطى لهذا ، وتتعاقب المادّة بينها ، فلأجل الحاجة إلى توفية العدل في هذه الموجودات لم يمكن أن يبقى الشيء الواحد دائما بورود الأمثال ، بل لا بدّ أن يصير شيئا آخر يوما ما ، وأمّا بقاؤها بعينه فليس بممكن لذاته لحظتين ؛ لما دريت من أن الطبيعة أمر سيّال متجدد الذات ، متبدّد الحقيقة ، هذا في أشخاص الكائنات.
وأمّا الأنواع فلا يجوز أن توجد عقيب الحركات والاستعدادات ، ولا أن
__________________
(١) ـ سورة الإسراء ، الآية ٢٠.
(٢) ـ سورة إبراهيم ، الآية ٣٤ : وسورة النحل ، الآية ١٨.