الحركة بإزائها ورفعهم بينهما نسبة عددية ، وكلّ هذه أمور غير حقيقية ، وإنما تؤخذ على سبيل التقريب ، أقصى ما في الباب أن التفاوت فيها لا يظهر في المدد المتقاربة ، لكنه يشبه أن يظهر في المدد المتباعدة ، ومع ظهور التفاوت في الأسباب كيف يمكن دعوى التجربة وحصول العلم الكلي الثابت الّذي لا يتغيّر استمرار أثرها على وتيرة واحدة.
ثم لو سلّمنا أنه لا يظهر تفاوت أصلا ، إلّا أن العلم يعود مثل الدورة ، لا يقتضي بمجرّده العلم بعود مثل الأثر السابق ؛ لتوقف العلم بذلك على عود أمثال الأسباب الباقية للأثر السابق ، من الاستعداد وسائر أسبابه العلوية والسفلية ، وعلى ضبطها ، فإنّ العلم التجربيّ إنّما يحصل بعد حصرها ليعلم عودها وتكرّرها ، وكلّ ذلك ممّا لا سبيل للقوّة البشرية إلى ضبطه ، فكيف يمكن دعوى التجربة؟ (١)
فصل
قد ظهر ممّا ذكر : أن حركات الأفلاك وأوضاعها تحصّل للمواد الاستعدادات ، وتجعلها قابلة لفيضان الصور المتعيّنة من واهبها ، فيفيض عليها الصور بحسب قابليّاتها ، ولمّا كان القابل المطلق الّذي هو المادّة غير متناهي قوّة الانفعال والتأثّر ، لكونها قوّة كلّ ممكن بالإمكان الاستعدادي ، والممكنات الاستعدادية غير متناهية ، وكذلك الفاعل المطلق الّذي هو الله سبحانه غير متناهي قوّة الفعل والتاثير ؛ لأنّ قدرته غير متناهية ، فلا جرم يستمرّ نزول
__________________
(١) ـ شرح نهج البلاغة ، لابن ميثم البحراني : ٢ : ٢١٧ ـ ٢١٩.