ومنتهى ذلك إلى حركات الأفلاك ، وهي على اطّراد متّسق ، تكون دواعي إلى القصد ، وبواعث عليه ، وهذا هو القدر الّذي أوجبه القضاء ، والقضاء هو الفعل الأوّل الإلهي الواحد ، المستعلي على الكلّ ، الّذي تتشعّب منه المقدورات ، وكلّ مرهون بوقته ، وأجله ، فما يتقدّم متقدّم ، ولا يتأخّر متأخّر ، إلّا بحقّ لازم ، وقضاء حتم.
فصل
قد أشرنا فيما سلف إلى أن الكائنات الّتي توجد عندنا كلّها إنّما تتكون من العناصر الأربعة ، وللعناصر كلّها مادّة واحدة مطيعة لأوامر الله تعالى ، ونواهيه ، في خلع بعض الصور ، ولبس بعضها ؛ وذلك لأنها ينقلب بعضها إلى بعض ، وينفسد ، ويتكوّن بدلالة المشاهدة والتجربة ، فلو لم يشترك في المادّة لزم انقلاب الحقيقة.
ألا ترى إلى النار كيف تنقلب هواء في شعل المصابيح ، فإنّها لو بقيت على النارية لتحرّكت إلى مكانها الطبيعي على خطّ مستقيم ، قائم ، فأحرقت ما حاذاها ، وليس كذلك.
وإلى الهواء كيف يستحيل نارا عند القدح ، وعند إلحاح النفخ على النفخ ، وسدّ الطرق الّتي يدخل فيها الهواء الجديد.
ومن هذا القبيل الهواء الحار الّذي منه السموم المحرق ، والهواء الصحو قد ينقلب ماء في قلل الجبال بواسطة برد يصيبه ، فيتكاثف ثمّ يتقاطر دفعة من دون بخار هناك ، كما شاهده غير واحد من الناس ، وقد يصير قطرات ماء على