الأربع في حقيقتها الجوهرية ، لما دريت أن الصور ـ أيضا ـ ممّا تشتدّ وتضعف ، كالكيفيات، بل الكيفيات تابعة لها في ذلك ، فله حرارة النار ، وميعان الهواء ، وبرودة الماء، ويبوسة الأرض.
والموجود خير من العدم ، فما وجد فيه مع وحدته صفات الموجودات المتكثّرة ، فهو أفضل ممّا لم يوجد فيه تلك الصفات جميعا ، فهو بهذا التوسّط يشبه الأجرام الحية الفلكية ، ولذا تكون حياتها أشدّ وآكد ، بل يشبه المبدأ الأوّل من وجه ، ويقرب منه في الوحدانية ، تعالى عن الشبه والمثل ، وكلما أمعن في التوسّط وهدم جانب التضاد يقبل من المبدأ الفيّاض صورة كمالية فوق صورة ، وحياة فوق حياة ، فيصير أوّلا معدنا ، ثمّ نباتا ، ثمّ حيوانا ، ثمّ إنسانا ، ثمّ ملكا مقرّبا ، ثمّ يفنى في ذات الله سبحانه ، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) (١) ، (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٢).
وهذا هو اللّم في خلق المركبات ؛ إذ الغاية في فعله سبحانه ليست إلّا نفسه ، كما يأتي تحقيقه مبسوطا.
فصل
الممتزج ما لم يستوف درجات النوع الأنقص الأخسّ لم يتخطّ إلى درجة النوع الأكمل الأشرف ، لكن النوع الأنقص إذا قوي بعض أفراده في باب وجوده وغلبت فعليته على قوّته واستعداده لم يتجاوز إلى نوع ما هو أكمل
__________________
(١) ـ سورة هود ، الآية ١٢٣.
(٢) ـ سورة الشورى ، الآية ٥٣.