وأعلى ؛ لاستحكام صورته ، وبقاء تركيب أكثر من سائر أفراده ، فيتعصّى من أن يتكون منه خلق آخر ، فكأنه قد تمّ سلوكه ، وبلغ إلى كماله المتصور في حقه إذا سالك من حيث هو سالك لا يقوم في المقامات والمنازل الّتي دونه بالفعل ، ولكن يتلبس بكلّ منها في الجملة؛ ولهذا قيل : إن السلوك توسّط ما بين صرافة القوّة ومحوضة الفعل.
مثال ذلك : الحجر من المعدن ، والشجر من النبات ، وغير الإنسان من الحيوان.
ومثال غير قويّ الوجود : المني من المعدن ، والجنين من النبات ، والطفل من الحيوان.
وليست هذه التمامية والقوّة في الموجود ، والتوقّف فيه ، مانعة له عن الوصول إلى الله سبحانه ، هيهات ، كيف وكلّ موجود فلا بدّ وأن يصل إلى الله تعالى يوما ، وإلّا فيكون خلقه عبثا وهباء ، وقد قال سبحانه : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١) ، وقال : (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) (٢) ، وقال : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) (٣) ، إلى غير ذلك.
بل التحقيق أن له سبحانه صراطا مستقيما ، هو الصراط الإنساني الّذي يمرّ سالكه على سائر الموجودات ، وهو المظهر لاسم الله الأعظم ، وإليه أشير بقوله سبحانه : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) (٤) ، وصراطا أخرى ليست على
__________________
(١) ـ سورة المؤمنون ، الآية ١١٥.
(٢) ـ سورة الأنبياء ، الآية ٩٣.
(٣) ـ سورة هود ، الآية ١٢٣.
(٤) ـ سورة الأنعام ، الآية ١٥٣.