هذه الاستقامة ، ولكن يوصل كلّ منها بسالكه إلى المطلوب ، وهي مظاهر لأسماء أخر ، وكلّ موجود فهو على صراط غير صراط آخر ، ومصير الكلّ إلى الله ، كما قال : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١).
ومن هنا قيل : الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق. وتمام تحقيق هذا الكلام يأتي في موضع آخر إن شاء الله.
فصل
وليعلم أنه لا يجوز أن يوجد في المركبات المزاجية ما يكون مزاجه معتدلا غاية الاعتدال، بأن تكون المقادير من الكيفيات المتضادّة في الممتزج متساوية متقاربة ، ويكون المزاج كيفية متوسّطة بينها بالتحقيق ، وإلّا لتداعى الأجزاء إلى الافتراق بسبب اختلاف الميول ؛ إذ لم يكن له مكان طبيعي ، وحيث لا طبع فلا قسر ، على أن القسر لا يكون دائميا ، والأنواع لا تكون بحسب الاتفاقات.
ثمّ لكلّ جنس مزاج جنسي ، له عرض بين حدّين ، لا يحتمل ذلك الجنس التجاوز عنهما ، وهو يشتمل على الأمزجة النوعية بين الحدين ، وكذلك المزاج النوعي على الأمزجة الصنفية ، والصنفي على الشخصية.
وأقرب الأنواع إلى الاعتدال الحقيقي هو الإنسان ، وأقرب الأصناف إليه سكّان الإقليم الرابع المتوسّطون بين الفجاجة الشمالية ، والاحتراق الجنوبي.
وسكّان خط الاستواء وإن كانوا أقرب إلى الاعتدال من حيث تشابه
__________________
(١) ـ سورة المائدة ، الآية ١٨.