محبة ما يبغضه الله ورسوله ، فقال له الملوم : المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب ، وجميع ما في الكون مراده فأي شيء أبغض منه؟! قال الشيخ : فقلت له : إذا كان قد سخط على أقوام ولعنهم وغضب عليهم وذمّهم فواليتهم أنت وأحببتهم وأحببت أفعالهم ورضيتها ، تكون مواليا له أو معاديا؟ قال : فبهت الجبريّ ولم ينطق بكلمة.
وزعمت هذه الفرقة أنهم بذلك للسنة ناصرون وللقدر مثبتون ولأقوال أهل البدع مبطلون ، هذا وقد طووا بساط التكليف ، وطفّفوا في الميزان غاية التطفيف وحملوا ذنوبهم على الأقدار وبرّءوا أنفسهم في الحقيقة من فعل الذنوب والأوزار وقالوا : إنها في الحقيقة فعل الخلّاق العليم ، وإذا سمع المنزّه لربه هذا قال : سبحانك هذا بهتان عظيم فالشرّ ليس إليك والخير كله في يديك. ولقد ظنت هذه الطائفة بالله أسوأ الظنّ ، ونسبته إلى أقبح الظلم وقالوا : إنّ أوامر الرب ونواهيه كتكليف العبد أن يرقى فوق السموات ، وكتكليف الميت إحياء الأموات ، والله يعذب عباده أشدّ العذاب على فعل ما لا يقدرون على تركه وعلى ترك ما لا يقدرون على فعله ؛ بل يعاقبهم على نفس فعله الذي هو لهم غير مقدور وليس أحد ميسر له ؛ بل هو عليه مقهور ، ونرى العارف منهم ينشد مترنما ومن ربه متشكّيا ومتظلما :
ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له |
|
إيّاك إياك أن تبتلّ بالماء |
وليس عند القوم في نفس الأمر سبب ولا غاية ولا حكمة ولا قوة في الأجسام ولا طبيعة ولا غريزة ، فليس في الماء قوة التبريد ، ولا في النار قوة التسخين ، ولا في الأغذية قوة الغذاء ، ولا في الأدوية قوة الدواء ، ولا في العين قوة الإبصار ، ولا في الأذن قوة السماع ، ولا في الأنف قوة الشم ، ولا في الحيوان قوة فاعلة ولا جاذبة ولا ممسكة ولا دافعة ، والرب تعالى لم يفعل شيئا بشيء ولا شيئا لشيء ، فليس في أفعاله باء تسبّب ولا لام تعليل ،