وما ورد من ذلك فمحمول على باء المصاحبة ولام العاقبة ، وزادوا على ذلك أنّ الأفعال لا تنقسم في نفسها إلى حسن وقبيح ، ولا فرق في نفس الأمر بين الصدق والكذب ، والبرّ والفجور ، والعدل والظلم ، والسجود للرحمن والسجود للشيطان ، والإحسان إلى الخلق والإساءة إليهم ، ومسبّة الخالق والثناء عليه ، وإنما نعلم الحسن من ذلك من القبيح بمجرد الأمر والنهي ، ولذلك يجوز النهي عن كلّ ما أمر به والأمر بكل ما نهى عنه ، ولو فعل ذلك لكان هذا قبيحا وهذا حسنا.
وزاد بعض محققيهم على هذا أنّ الأجسام كلها متماثلة ، فلا فرق في الحقيقة بين جسم النار وجسم الماء ، ولا بين جسم الذهب وجسم الخشب ، ولا بين المسك والرّجيع (١) ، وإنما تفترق بصفاتها وأعراضها مع تماثلها في الحدّ والحقيقة ، وزادوا على ذلك بأن قالوا : الأعراض كلها لا تبقى زمانين ولا تستقر وقتين ، فإذا جمعت بين قولهم بعدم بقاء الأعراض ، وقولهم بتماثل الأجسام وتساوي الأفعال ، وأن العبد لا فعل له البتة ، وأنه لا سبب في الوجود ولا قوة ولا غريزة ولا طبيعة. وقولهم : إنّ الرب تعالى ليس له فعل يقوم به وفعله غير مفعوله. وقولهم : إنه ليس بمباين لخلقه ولا داخل العالم ولا خارجه ولا متّصلا به ولا منفصلا عنه. وقولهم : إنه لا يتكلم ولا يكلم ولا قال ولا يقول ولا سمع أحد خطابه ولا يسمعه ، ولا يراه المؤمنون يوم القيامة جهرة بأبصارهم من فوقهم ، أنتجت لك هذه الأصول عقلا يعارض السمع ويناقض الوحي ، وقد أوصاك الأشياخ ، عند التعارض ، بتقديم هذا المعقول على ما جاء به الرسول :
فلو أني بليت بهاشميّ |
|
خئولته بنو عبد المدان |
__________________
(١) الرجيع : الروث (فضلات الدواب).