يكن محدثا مخترعا للفعل. والأشعري يقول : العبد ليس بفاعل ، وإن نسب إليه الفعل ، وإنما الفاعل في الحقيقة هو الله ، فلا فاعل سواه.
الثاني : أنهم يقولون : الرب هو المحدث ، والعبد هو الفاعل.
وقالت فرقة : بل أفعال العباد فعل لله على الحقيقة ، وفعل العبد على المجاز ، وهذا أحد قولي الأشعري.
وقالت فرقة أخرى ، منهم القلانسي وأبو إسحاق (١) في بعض كتبه : أنها فعل لله على الحقيقة. وفعل الإنسان على الحقيقة ، لا على معنى أنه أحدثها ، بل على معنى أنه كسب له.
وقالت طائفة أخرى وهم جهم (٢) وأتباعه : إنّ القادر ، على الحقيقة ، هو الله وحده ، وهو الفاعل حقا ، ومن سواه ليس بفاعل ، على الحقيقة ، ولا كاسب أصلا ، بل هو مضطر إلى جميع ما فيه من حركة وسكون ، وقول القائل : قام وقعد وأكل وشرب ، مجاز بمنزلة مات وكبر ووقع ، وطلعت الشمس وغربت ، وهذا قول الجبرية الغلاة.
وقابله طائفة أخرى ، فقالوا : العباد موجدون لأفعالهم مخترعون لها بقدرهم وإرادتهم ، والربّ لا يوصف بالقدرة على مقدور العبد ، ولا تدخل أفعالهم تحت قدرته ، كما لا يوصف العباد بمقدور الرب ، ولا تدخل أفعاله تحت قدرهم ، وهذا قول جمهور القدرية ، وكلهم متفقون على أن الله سبحانه
__________________
(١) أبو إسحاق هو النّظّام إبراهيم بن سيّار البصري المعتزلي : مات سنة بضع وعشرين ومائتين.
(٢) جهم بن صفوان أبو محرز الراسبي السمرقندي ، رأس الجهمية منكري الصفات ، قتله سلم بن أحوز سنة ١٢٨.