فليس هاهنا تخصيص البتة ، بل الله سبحانه بذاته وصفاته الخالق ، وكل ما عداه مخلوق ، وذلك عموم لا تخصيص فيه بوجه ، إذ ليس إلا الخالق والمخلوق ، والله وحده الخالق ، وما سواه كله مخلوق.
وأما الأدلة الدالة على أنّ أفعال العباد صنع لهم ، وإنما أفعالهم القائمة بهم ، وأنهم هم الذين فعلوها ، فكلها حق ، نقول بموجبها ، ولكن لا ينبغي أن تكون أفعالا لهم. ومخلوقة مفعولة لله ، فإن الفعل غير المفعول ، ولا نقول : إنها فعل لله ، والعبد مضطر مجبور عليها ، ولا نقول : إنها فعل للعبد ، والله غير قادر عليها ولا جاعل للعبد فاعلا لها ، ولا نقول : إنها مخلوقة بين مخلوقين مستقلين بالإيجاد والتأثير ، وهذه الأقوال كلها باطلة.
قالت القدرية : يعني قوله : (الله خالق كل شيء) مما لا يقدر عليه غيره ، وأما أفعال العباد التي يقدر عليها العباد ، فإضافتها إليهم تنفي إضافتها إليه. وإلا لزم وقوع مفعولين بين فاعلين وهو محال.
قال أهل السنة : إضافتها إليهم فعلا وكسبا لا ينفي إضافتها إليه سبحانه خلقا ومشيئة ، فهو سبحانه الذي شاءها وخلقها ، وهم الذين فعلوها وكسبوها حقيقة ، فلو لم تكن مضافة إلى مشيئته وقدرته وخلقه لاستحال وقوعها منهم ، إذ العباد أعجز وأضعف من أن يفعلوا ما لم يشأه الله ، ولم يقدر عليه ، ولا خلقه.
فصل
ومما يدل على قدرته سبحانه على أفعالهم قوله : (والله على كل شيء