وقال الشاعر :
ولأنت تفري ما خلقت و |
|
بعض القوم يخلق ثم لا يفري |
أي : لأنت تمضي ما قدّرته وتنفذه بعزمك وقدرتك ، وبعض القوم يقدّر ثم لا قوة له ولا عزيمة على إنفاذ ما قدره وإمضائه ، فالله تعالى مقدّر أفعال العباد وهم الذين أوجدوها وأحدثوها.
قال أهل السنة : قدماؤكم ينكرون تقدير الله سبحانه لأعمال العباد البتة ، فلا يمكنهم أن يجيبوا بذلك ، ومن اعترف منكم بالتقدير ، فهو تقدير لا يرجع إلي تأثير ، وإنما هو مجرد العلم بها والخبر عنها ، وليس التقدير عندكم جعلها على قدر كذا وكذا ، فإن هذا عندكم غير مقدور للرب ، ولا مصنوع له ، وإنما هو صنع العبد وإحداثه ، فرجع التقدير إلي مجرد العلم والخبر ، وهذا لا يسمى خلقا في لغة أمة من الأمم ، ولو كان هذا خلقا ، لكان من علم شيئا وعلم أسماءه (١) وصفاته ، وأخبر عنه بذلك خالقا له ، فالتقدير الذي أثبتموه إن كان متضمنا للتأثير في إيجاد الفعل فهو خلاف مذهبكم ، وإن لم يتضمن تأثيرا في إيجاده ، فهو راجع إلى محض العلم والخبر.
قالت القدرية : قوله : الله خالق كل شيء ، من العام المراد به الخاص ، ولا سيما فإنكم قلتم : إنّ القرآن لم يدخل في هذا العموم ، وهو من أعظم الأشياء وأجلّها ، فخصصنا منه أفعال العباد بالأدلة الدالة على كونها فعلهم ومنعهم.
قال أهل السنة : القرآن كلام الله سبحانه ، وكلامه صفة من صفاته ، وصفات الخالق وذاته لم تدخل في المخلوق ، فإن الخالق غير المخلوق ،
__________________
(١) تحرفت في المطبوع إلى : «أسمائه».