العمى عليها ، وهي التي قال تعالى فيها : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ (١١٥)) [التوبة] فهداهم هدى البيان الذي تقوم به حجّته عليهم ، ومنعهم الهداية الموجبة للاهتداء التي لا يضل من هداه بها ، فذاك عدله فيهم ، وهذا حكمته ، فأعطاهم ما تقوم به الحجة عليهم ، ومنعهم ما ليسوا له بأهل ، ولا يليق بهم.
وسنذكر في الباب الذي بعد هذا ، إن شاء الله تعالى ، ذكر الهدى والضلال ومراتبهما وأقسامهما ، فإنه عليه مدار مسائل القدر. والمقصود ذكر بعض ما يدل على إثبات هذه المرتبة الرابعة من مراتب القضاء والقدر ، وهي خلق الله تعالى لأفعال المكلفين ، ودخولها تحت قدرته ومشيئته كما دخلت تحت علمه وكتابه. قال تعالى (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢)) [الزمر] وهذا عام محفوظ ، لا يخرج عنه شيء من العالم أعيانه وأفعاله وحركاته وسكناته ، وليس مخصوصا بذاته وصفاته ، فإنه الخالق ـ بذاته وصفاته ، وما سواه مخلوق له ، واللفظ قد فرّق بين الخالق والمخلوق ، وصفاته سبحانه داخلة في مسمّى اسمه ، فإن الله سبحانه اسم للإله الموصوف بكل صفة كمال ، المنزه عن كل صفة نقص ومثال.
والعالم قسمان : أعيان وأفعال ، وهو الخالق لأعيانه وما يصدر عنها من الأفعال ، كما أنه العالم بتفاصيل ذلك ، فلا يخرج شيء منه عن علمه ، ولا عن قدرته ، ولا عن خلقه ومشيئته.
قالت القدرية : نحن نقول : إن الله خالق أفعال العباد ، لا على أنه محدثها ومخترعها ، لكن على معنى أنه مقدّرها ، فإنّ الخلق التقدير ، كما قال تعالى (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤)) [المؤمنون].