يمينه وعن شماله ، فقريب منه وبعيد ، وبين ذلك ، وإذا أعطيت الفاتحة حقّها ، وجدتها من أولها إلى آخرها منادية على ذلك دالة عليه صريحة فيه ، وإن كان حمده لا يقتضي غير ذلك ، وكذلك كمال ربوبيته للعالمين لا يقتضي غير ذلك ، فكيف يكون الحمد كله لمن لا يقدر على مقدور أهل سماواته وأرضه من الملائكة والجن والإنس والطير والوحش ، بل يفعلون ما لا يقدر ، ولا يشاؤه ، ويشاء ما لا يفعله كثير منهم ، فيشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء ، وهل يقتضي ذلك كمال حمده ، وهل يقتضيه كمال ربوبيته.
ثم قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) [الفاتحة] مبطل لقول الطائفتين المنحرفتين عن قصد السبيل ، فإنه يتضمن إثبات فعل العبد ، وقيام العبادة به حقيقة ، فهو العابد على الحقيقة ، وإن ذلك لا يحصل له إلا بإعانة رب العالمين عزوجل له ، فإن لم يعنه ولم يقدره ولم يشأ له العبادة ، لم يتمكن منها ، ولم يوجد منه البتة ، فالفعل منه ، والإقدار والإعانة من الرب عزوجل.
ثم قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)) [الفاتحة] يتضمن طلب الهداية ممن هو قادر عليها ، وهي بيده إن شاء أعطاها عبده ، وإن شاء منعه إياها. والهداية معرفة الحق والعمل له ، فمن لم يجعله الله تعالى عالما بالحق عاملا به ، لم يكن له سبيل إلى الاهتداء ، فهو سبحانه المتفرد بالهداية الموجبة للاهتداء التي لا يتخلف عنها ، وهي جعل العبد مريدا للهدى محبّا له مؤثرا له عاملا به ، فهذه الهداية ليست إلى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ، وهي التي قال سبحانه فيها : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (٥٦)) [القصص] مع قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)) [الشورى] فهذه هداية الدعوة والتعليم والإرشاد ، وهي التي هدى بها ثمود ، فاستحبّوا