وأنه لا يشاءون إلا أن يشاء الله ، ولا يفعلون إلا من بعد مشيئته ، وأنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا تخصيص عندهم في هاتين القضيتين بوجه من الوجوه. والقدر عندهم قدرة الله تعالى وعلمه ومشيئته وخلقه ، فلا يتحرك ذرة فما فوقها إلا بمشيئته وعلمه وقدرته ، فهم المؤمنون بلا حول ولا قوة إلا بالله ، على الحقيقة ، إذ قالها غيرهم على المجاز ، إذ العالم علويّه وسفليّته وكل حي يفعل فعلا ، فإن فعله بقوة فيه على الفعل ، وهو في حول من ترك إلى فعل ومن فعل إلى ترك ومن فعل إلى فعل ، وذلك كله بالله تعالى ، لا بالعبد ، ويؤمنون بأنّ من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأنه هو الذي يجعل المسلم مسلما ، والكافر كافرا ، والمصلي مصليا ، والمتحرك متحركا ، وهو الذي يسير عبده في البر والبحر ، وهو المسيّر والعبد السائر ، وهو المحرّك والعبد المتحرك ، وهو المقيم والعبد القائم ، وهو الهادي والعبد المهتدي ، وأنه المطعم والعبد الطاعم ، وهو المحيي المميت والعبد الذي يحيى ويموت ، ويثبتون مع ذلك قدرة العبد وإرادته واختياره وفعله حقيقة لا مجازا.
وهم متفقون على أن الفعل غير المفعول كما حكاه عنهم البغويّ وغيره ، فحركاتهم واعتقاداتهم أفعال لهم حقيقة ، وهي مفعولة لله سبحانه ، مخلوقة له حقيقة ، والذي قام بالرب عزوجل علمه وقدرته ومشيئته وتكوينه ، والذي قام بهم هو فعلهم وكسبهم وحركاتهم وسكناتهم ، فهم المسلمون المصلون القائمون القاعدون حقيقة ، وهو سبحانه هو المقدر لهم على ذلك ، القادر عليه الذي شاءه منهم ، وخلقه لهم ، ومشيئته وفعله بعد مشيئته ، فما يشاءون إلا أن يشاء الله ، وما يفعلون إلا أن يشاء الله.
وإذا وازنت بين هذا المذهب وبين ما عداه من المذاهب ، وجدته هو المذهب الوسط والصراط المستقيم ، ووجدت سائر المذاهب خطوطا عن