وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ (٨١)) [النحل].
فأخبر أنه هو الذي جعل السرابيل ، وهي الدروع والثياب المصنوعة ، ومادتها لا تسمى سرابيل إلا بعد أن (١) تحلّيها صنعة الآدميين وعملهم ، فإذا كانت مجعولة لله ، فهي مخلوقة له بجملتها صورتها ومادتها وهيآتها.
ونظير هذا قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ (٨٠)) [النحل] فأخبر سبحانه أن البيوت المصنوعة المستقرة المنتقلة مجعولة له ، وهي إنما صارت بيوتا بالصنعة الآدمية.
ونظيره قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢)) [يس] فأخبر سبحانه أنه خالق الفلك المصنوع للعباد ، وأبعد من قال : إن المراد بمثله هو الإبل ، فإنه إخراج المماثل حقيقة ، واعتبار لما هو بعيد عن المماثلة.
ونظير ذلك قوله تعالى حكاية عن خليله ، أنه قال لقومه : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) [الصافات] فإن كانت ما مصدرية ، كما قدّره بعضهم ، فالاستدلال ظاهر ، وليس بقوي ، إذ لا تناسب بين إنكاره عليهم عبادة ما ينحتونه بأيديهم ، وبين إخبارهم بأنّ الله خالق أعمالهم ، من عبادة تلك الآلهة ونحتها وغير ذلك ، فالأولى أن تكون «ما» موصولة أي : والله خلقكم وخلق آلهتكم التي عملتموها بأيديكم ، فهي مخلوقة له ، لا آلهة شركاء معه ، فأخبر أنه خلق معمولهم ، وقد حله عملهم وصنعهم ، ولا يقال : المراد مادته ، فإنّ مادته غير معمولة لهم ، وإنما يصير معمولا بعد عملهم.
__________________
(١) تحرفت في المطبوع إلى : «أن بعد».