فصل
وقد أخبر سبحانه أنه هو الذي جعل أئمة الخير ، يدعون إلى الهدى ، وأئمة الشر يدعون إلى النار ، فتلك الإمامة والدعوة بجعله ، فهي مجعولة له ، وفعل لهم ، قال تعالى عن آل فرعون (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ (٤١)) [القصص] وقال عن أئمة الهدى (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (٧٣)) [الأنبياء] فأخبر أن هذا وهذا بجعله ، مع كونه كسبا وفعلا للأئمة ، ونظير ذلك قول الخليل (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ (١٢٨)) [البقرة] فأخبر الخليل أنه سبحانه هو الذي يجعل المسلم مسلما. وعند القدرية هو الذي جعل نفسه مسلما ، لا أن الله جعله مسلما ، ولا جعله إماما يهدي بأمره ، ولا جعل الآخر إماما يدعو إلى النار على الحقيقة ، بل هم الجاعلون لأنفسهم كذلك حقيقة ، ونسبة هذا الجعل إلى الله مجاز بمعنى التسمية ، أي : سمّنا مسلمين لك ، وكذلك جعلناهم أئمة ، أي : سميناهم كذلك ، وهم جعلوا أنفسهم أئمة رشد وضلال ، فمنهم الحقيقة ومنه المجاز والتعبير.
فصل
ومن ذلك إخباره سبحانه بأنه هو الذي يلهم العبد فجوره وتقواه. والإلهام : الإلقاء في القلب ، لا مجرد البيان والتعليم ، كما قاله طائفة من المفسرين ، إذ لا يقال لمن بيّن لغيره شيئا ، وعلّمه إياه ، أنه قد ألهمه ذلك ،