هذا لا يعرف في اللغة البتة ، بل الصواب ما قاله ابن زيد ، قال : جعل فيها فجورها وتقواها. وعليه حديث عمران بن حصين ، أنّ رجلا من مزينة أو جهينة أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله! أرأيت ما يعمل الناس فيه ويكدحون ، أشيء قضي عليهم ، ومضى عليهم من قدر سابق ، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم؟ قال : بل شيء قضي عليهم ومضى ، قال : ففيم العمل؟ قال : من خلقه الله لإحدى المنزلتين ، استعمله بعمل أهلها. وتصديق ذلك في كتاب الله (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨)) [الشمس] (١).
فقراءته هذه الآية عقيب إخباره بتقديم القضاء والقدر السابق ، يدل على أنّ المراد بالإلهام استعمالها فيما سبق لها ، لا مجرد تعريفها ، فإن التعريف والبيان لا يستلزم وقوع ما سبق به القضاء والقدر.
ومن فسّر الآية من السلف بالتعليم والتعريف ، فمراده تعريف مستلزم لحصول ذلك ، لا تعريف مجرد عن الحصول ، فإنه لا يسمى إلهاما. وبالله التوفيق.
فصل
ومن ذلك قوله تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)) [الملك] وذات الصدور كلمة لما يشتمل عليه الصدر من الاعتقادات والإرادات والحب والبغض ، أي : صاحبة الصدور ،
__________________
(١) أخرجه أحمد ٤ / ٤٣٨ ، ومسلم ٨ / ٤٨ ، وانظر المسند الجامع ١٤ / ٢٧٨ (١٠٩٢٠).