فإنها لما كانت فيها قائمة بها ، نسبت إليها نسبة الصّحبة والملازمة. وقد اختلف في إعراب «من خلق» هو النصب أو الرفع ، فإن كان مرفوعا ، فهو استدلال على علمه بذلك ، لخلقه له ، والتقدير : إنه يعلم ما تضمّنته الصدور ، وكيف لا يعلم الخالق ما خلقه. وهذا الاستدلال في غاية الظهور والصحة ، فإنّ الخلق يستلزم حياة الخالق وقدرته وعلمه ومشيئته.
وإن كان منصوبا ، فالمعنى : ألا يعلم مخلوقه؟ وذكر لفظة «من» تغليبا ، ليتناول العلم العاقل وصفاته على التقديرين ، فالآية دالّة على خلق ما في الصدور ، كما هي دالة على علمه سبحانه به ، وأيضا فإنه سبحانه خلقه لما في الصدور دليلا على علمه بها ، فقال : ألا يعلم من خلق؟! أي : كيف يخفى عليه ما في الصدور ، وهو الذي خلقه؟! فلو كان ذلك غير مخلوق له ، لبطل الاستدلال به على العلم ، فخلقه سبحانه للشيء من أعظم الأدلة على علمه به ، فإذا انتفى الخلق انتفى دليل العلم ، فلم يبق ما يدل على علمه بما ينطوي عليه الصدر إذا كان غير خالق لذلك ، وهذا من أعظم الكفر برب العالمين ، وجحد لما اتفقت عليه الرسل من أولهم إلى آخرهم ، وعلم بالضرورة أنهم ألقوه إلى الأمم كما ألقوا إليهم أنه إله واحد ، لا شريك له.
فصل
ومن ذلك قوله تعالى ، حكاية عن خليله إبراهيم أنه قال : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي (٤٠)) [إبراهيم] وقوله : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (٣٧)) [إبراهيم] وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً (٢٧)) [الحديد] وقوله حكاية عن زكريا أنه قال عن ولده (وَاجْعَلْهُ