قال ابن جرير : وكل إنسان ألزمناه ما قضي إليه أنه عامله وما هو صائر إليه ، من شقاء أو سعادة بعمله في عنقه لا يفارقه ، وهذا ما قاله الناس في الآية ، وهو ما طار له من الشقاء والسعادة وما طار عنه من العمل ، ثم ذكر عن ابن عباس قال : طائره : عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان وزائل معه أينما زال. وكذلك قال ابن جريج وقتادة ومجاهد : هو عمله. زاد مجاهد : وما كتب له ، وقال قتادة أيضا : سعادته وشقاوته بعمله.
قال ابن جرير : فإن قال قائل ، فكيف قال : ألزمناه طائره في عنقه ، إن كان الأمر على ما وصفت ، ولم يقل : في يديه أو رجليه أو غير ذلك من أعضاء الجسد؟.
قيل : إن العنق هي موضع السمات وموضع القلائد والأطوقة وغير ذلك مما يزين أو يشين ، فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللازمة سائر الأبدان إلى الأعناق ، كما أضافوا جنايات أعضاء الأبدان إلى اليد ، فقالوا : ذلك بما كسبت يداه ، وإن كان الذي جرّه عليه لسانه أو فرجه ، فكذلك قوله : «ألزمناه طائره في عنقه».
وقال الفرّاء : الطائر معناه عندهم العمل. قال الزهري : والأصل في هذا أن الله سبحانه لما خلق آدم ، علم المطيع ، من ذريته ، والعاصي ، فكتب ما علمه منهم أجمعين ، وقضى بسعادة من علمه مطيعا وشقاوة من علمه عاصيا ، فطار لكل ما هو صائر إليه عند خلقه وإنشائه.
وأما قوله : في عنقه ، فقال أبو إسحاق : إنما يقال للشيء اللازم : هذا في عنق فلان ، أي : لزومه له كلزوم القلادة من بين ما يلبس في العنق. قال أبو علي : هذا مثل قولهم : طوّقتك كذا ، وقلّدتك كذا ، أي : صرفته نحوك ،