في طلب هداها ، وبلّغها وعيد الله ثم خلّها ، فإنّ هداها بيد خالقها ، وما قبل الآية وما بعدها لا يدل إلا على ذلك ، فإنه سبحانه قال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ (١٠٠)) [يونس] أي : لا تكفي دعوتك في حصول الإيمان حتى يأذن الله لمن دعوته أن يؤمن ، ثم قال : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١)) [يونس].
قال ابن جرير : يقول تعالى : يا محمد ، قل لهؤلاء السائلينك الآيات ، على صحة ما تدعو إليه ، من توحيد الله ، وخلع الأنداد والأوثان : انظروا أيها القوم ، ما ذا في السموات من الآيات الدالة على حقّية ما أدعوكم إليه ، من توحيد الله ، من شمسها وقمرها ، واختلاف ليلها ونهارها ، ونزول الغيث بأرزاق العباد من سحابها وفي الأرض من جبالها وتصدّعها بنباتها وأقوات أهلها وسائر صنوف عجائبها ، فإنّ في ذلك لكم ، إن عقلتم وتدبرتم ، عظة ومعتبرا ودلالة على أن ذلك من فعل من لا يجوز أن يكون له في ملكه شريك ، ولا له على حفظه وتدبيره ظهير ، يغنيكم عما سواها من الآيات ، وما يغني عن قوم قد سبق لهم من الله الشقاء ، وقضى عليهم في أم الكتاب أنهم من أهل النار ، فهم لا يؤمنون بشيء من ذلك ، ولا يصدقون به ، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم.
فصل
ومن ذلك قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣)) [الإسراء].