به ، وتكذيبهم به بعد دخوله في قلوبهم أعظم كفرا من تكذيبهم به قبل أن يدخل في قلوبهم ، فإنّ المكذّب بالحق بعد معرفته له شرّ من المكذب به ولم يعرفه ، فتأمله ، فإنه من فقه التفسير ، والله الموفق للصواب.
فصل
ومن ذلك قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)) [مريم] فالإرسال هاهنا إرسال كونيّ قدري ، كإرسال الرياح ، وليس بإرسال ديني شرعي ، فهو إرسال تسليط ، بخلاف قوله في المؤمنين : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ (٤٢)) [الحجر] فهذا السلطان المنفي عنه على المؤمنين هو الذي أرسل به جنده على الكافرين. قال أبو إسحاق : ومعنى الإرسال هاهنا التسليط ، تقول : قد أرسلت فلانا على فلان ، إذا سلطته عليه ، كما قال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢)) [الحجر] فأعلم أنّ من اتّبعه هو مسلّط عليه ، قلت : ويشهد له قوله تعالى : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)) [النحل].
وقوله : (تؤزهم أزا) فالأزّ في اللغة التحريك والتهييج ، ومنه يقال لغليان القدر : الأزيز ، لتحرك الماء عند الغليان. وفي الحديث : «كان لصدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أزيز كأزيز المرجل ، من البكاء» (١). وعبارات السلف تدور على هذا المعنى. قال ابن عباس : تغريهم إغراء. وفي رواية أخرى عنه : تسلّهم سلا ، وفي رواية أخرى : تحرضهم تحريضا. وفي أخرى : تزعجهم للمعاصي
__________________
(١) صحيح. رواه أحمد (٤ / ٢٥ ، ٢٦) ، وأبو داود (٩٠٤) ، والنسائي (٣ / ١٣) عن عبد الله بن الشّخّير.