إزعاجا. وفي أخرى : توقدهم إيقادا أي : كما يتحرك الماء بالوقد تحته. قال أبو عبيدة : الأزيز : الإلهاب والحركة ، كالتهاب النار في الحطب ، يقال : أزّ قدرك ، أي : ألهب تحتها النار ، وائتزت القدر : إذا اشتدّ غليانها. وهذا اختيار الأخفش. والتحقيق أن اللفظة تجمع المعنيين جميعا.
قالت القدرية : معنى أرسلنا الشياطين على الكافرين : خلّينا بينهم وبينها ، ليس معناه التسليط. قال أبو علي : الإرسال يستعمل بمعنى التخلية بين المرسل وما يريد ، فمعنى الآية : خلّينا بين الشياطين وبين الكافرين ، ولم يمنعهم منهم ، ولم يعدهم ، بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم : إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان.
قال الواحدي : وإلى هذا الوجه يذهب القدرية في معنى الآية. قال : وليس المعنى على ما ذهبوا إليه.
وقال أبو إسحاق : والمختار أنهم أرسلوا عليهم ، وقيّضوا لهم بكفرهم كما قال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦)) [الزخرف] وقال : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ (٢٥)) [فصلت] وإنما معنى الإرسال التسليط.
قلت : وهذا هو المفهوم من معنى الإرسال كما في الحديث : «إذا أرسلت كلبك المعلم» (١) أي : سلطته ، ولو خلّى بينه وبين الصيد من غير إرسال منه ، لم يبح صيده ، وكذلك قوله : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)) [الذاريات] أي : سلطناها وسخرناها عليهم. وكذلك قوله : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣)) [الفيل] وكذلك قوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً (٣١)) [القمر].
__________________
(١) رواه البخاري (١٧٥) ، ومسلم (١٩٢٩) عن عديّ بن حاتم.