ارجعوا ، فقد سقيتم بدعوة غيركم.
ولقد حدثني أنّ نملة خرجت من بيتها ، فصادفت شقّ جرادة ، فحاولت أن تحمله ، فلم تطق ، فذهبت وجاءت معها بأعوان يحملنه معها ، قال : فرفعت ذلك من الأرض ، فطافت في مكانه ، فلم تجده ، فانصرفوا وتركوها ، قال : فوضعته ، فعادت تحاول حمله ، فلم تقدر ، فذهبت وجاءت بهم ، فرفعته ، فطافت ، فلم تجده ، فانصرفوا ، قال : فعلت ذلك مرارا ، فلما كان في المرة الأخرى ، استدار النمل حلقة ، ووضعوها في وسطها ، وقطعوها عضوا عضوا. قال شيخنا ، وقد حكيت له هذه الحكاية ، فقال : هذه النمل فطرها الله سبحانه على قبح الكذب وعقوبة الكذاب.
والنمل من أحرص الحيوان ، ويضرب بحرصه المثل ، ويذكر أن سليمان صلوات الله وسلامه عليه لما رأى حرص النملة وشدّة ادّخارها للغذاء ، استحضر نملة ، وسألها ، كم تأكل النملة من الطعام كل سنة؟ قالت : ثلاث حبات من الحنطة ، فأمر بإلقائها في قارورة ، وسد فم القارورة ، وجعل معها ثلاث حبات حنطة ، وتركها سنة ، بعد ما قالت ، ثم أمر بفتح القارورة عند فراغ السنة ، فوجد حبة ونصف حبة ، فقال : أين زعمك؟ أنت زعمت أن قوتك كل سنة ثلاث حبات ، فقالت : نعم : ولكن لما رأيتك مشغولا بمصالح أبناء جنسك ، حسبت الذي بقي من عمري ، فوجدته أكثر من المدة المضروبة ، فاقتصرت على نصف القوت ، واستبقيت نصفه استبقاء لنفسي ؛ فعجب سليمان من شدة حرصها ، وهذا من أعجب الهداية والعطية.
ومن حرصها أنها تكدّ طول الصيف ، وتجمع للشتاء علما منها بإعواز الطلب في الشتاء ، وتعذّر الكسب فيه ، وهي على ضعفها شديدة القوى ، فإنها تحمل أضعاف أضعاف وزنها ، وتجره إلى بيتها.
ومن عجيب أمرها أنك إذا أخذت عضو كزبرة يابس ، فأدنيته إلى أنفك ،