يتبع شيطانة (١). ومنها ما يزق فراخه خاصة ، ومنها ما فيه شفقة ورحمة بالغة ، يزق فراخه وغيرها.
ومن عجيب هداها أنها إذا حملت رسائل ، سلكت الطرق البعيدة عن القرى ومواضع الناس ، لئلا يعرض لها من يصدّها ، ولا يرد مياههم ، بل يرد المياه التي لا يردها الناس. ومن هدايتها أيضا أنه إذا رأى الناس في الهواء ، عرف أي صنف يريده ، وأي نوع من الأنواع ضده ، فيخالف فعله ليسلم منه. ومن هدايته أنه في أول نهوضه يغفل ويمر بين النسر والعقاب وبين الرخم والبازي وبين الغراب والصقر ، فيعرف من يقصده ومن لا يقصده ، وإن رأى الشاهين فكأنه يرى السّمّ الناقع ، وتأخذه حيرة كما يأخذ الشاة عند رؤية الذئب ، والحمار عند مشاهدة الأسد.
ومن هداية الحمام أن الذكر والأنثى يتقاسمان أمر الفراخ ، فتكون الحضانة والتربية والكفالة على الأنثى ، وجلب القوت والزق على الذكر ، فإن الأب هو صاحب العيال والكاسب لهم ، والأم هي التي تحبل وتلد وترضع.
ومن عجيب أمرها ما ذكره الجاحظ ، أنّ رجلا كان له زوج حمام مقصوص ، وزوج طيار ، وللطيار فرخان ، قال : ففتحت لهما في أعلى الغرقة كوّة للدخول والخروج وزقّ فراخهما ، قال : فحبسني السلطان فجأة ، فاهتممت بشأن المقصوص غاية الاهتمام ، ولم أشك في موتهما ، لأنهما لا يقدران على الخروج من الكوة ، وليس عندهما ما يأكلان ويشربان ، قال : فلما خلى سبيلي ، لم يكن لي همّ غيرهما ، ففتحت البيت ، فوجدت الفراخ قد كبرت ، ووجدت المقصوص على أحسن حال ، فعجبت ، فلم ألبث أن جاء الزوج الطيار ، فدنا الزوج المقصوص إلى أفواههما ، يستطعمانهما كما
__________________
(١) صحيح. رواه أحمد (٢ / ٣٤٥) ، وأبو داود (٤٩٤٠) ، وابن ماجه (٣٧٦٥) عن أبي هريرة.