الهرّ (١) أن ترصد جحر الفأرة ، فلا تتحرك ولا تتلوى ولا تختلج ، كأنها ميتة ، حتى إذا برزت لها الفأرة ، وثبت عليها كالأسد.
وقيل لآخر : من علمك الصبر والجلد والاحتمال وعدم السكون؟ قال : من علّم أبا أيوب (٢) صبره على الأثقال والأحمال الثقيلة ، والمشي والتعب وغلظة الحمّال وضربه ، فالثقل والكل على ظهره ، ومرارة الجوع والعطش في كبده ، وجهد التعب والمشقة ملأ جوارحه ، ولا يعدل به ذلك عن الصبر.
وقيل لآخر : من علمك حسن الإيثار والسماحة بالبذل؟ قال : من علم الديك ، يصادف الحبّة في الأرض ، وهو يحتاج إليها ، فلا يأكلها ، بل يستدعي الدجاج ، ويطلبهن طلبا حثيثا حتى تجيء الواحدة منهن ، فتلقطها ، وهو مسرور بذلك طيّب النفس به ، وإذا وضع له الحبّ الكثير ، فرّقه هاهنا وهاهنا ، وإن لم يكن هناك دجاج ، لأنّ طبعه قد ألف البذل والجود ، فهو يرى من اللؤم أن يستبد وحده بالطعام.
وقيل لآخر : من علمك هذا التّحيّل في طلب الرزق ووجوه تحصيله؟ قال : من علم الثعلب تلك الحيل التي يعجز العقلاء عن علمها وعملها ، وهي أكثر من أن تذكر.
ومن علم الأسد إذا مشى ، وخاف أن يقتفى أثره ، ويطلب ، عفى أثر مشيته بذنبه ، ومن علمه أن يأتي إلى شبله في اليوم الثالث من وضعه ، فينفخ في منخريه ، لأن اللبوة تضعه جروا كالميت فلا تزال تحرسه حتى يأتي أبوه ، فيفعل به ذلك.
__________________
(١) تحرفت في المطبوع إلى : «السهر».
(٢) أبو أيوب كنية الحمار.