السيل ، ليسلم من مدقّ الحافر ومجرى الماء ، ويعمقه ، ثم يتخذ في زواياه أبوابا عديدة ، ويجعل بينها وبين وجه الأرض حاجزا رقيقا ، فإذا أحسّ بالشر فتح بعضها بأيسر شيء وخرج منه ، ولما كان كثير النسيان ، لم يحفر بيته إلا عند أكمة أو صخرة علامة له على البيت ، إذا ضلّ عنه.
ومن علم الفهد ، إذا سمن ، أن يتوارى لثقل الحركة عليه ، حتى يذهب ذلك السمن ، ثم يظهر.
ومن علم الأيل إذا سقط قرنه أن يتوارى ، لأنّ سلاحه قد ذهب ، فيسمن لذلك ، فإذا كمل نبات قرنه ، تعرض للشمس والريح ، وأكثر من الحركة ، ليشتدّ لحمه ، ويزول السمن المانع له من العدو.
وهذا باب واسع جدا ويكفي فيه قوله سبحانه : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)) [الأنعام].
وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو لا أنّ الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها» (١).
وهذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون إخبارا عن أمر غير ممكن فعله ، وهو أن الكلاب أمة ، لا يمكن إفناؤها لكثرتها في الأرض ، فلو أمكن إعدامها من الأرض لأمرت بقتلها.
والثاني : أن يكون مثل قوله : «أمن أجل أن قرصتك نملة أحرقت أمة من
__________________
(١) صحيح رواه أبو داود (٢٨٤٥) وغيره عن عبد الله بن مغفل.