اخته ، وبعضها لا تمكّن غير زوجها من نفسها ، وبعضها لا تردّ يد لامس ، وبعضها يألف بني آدم ويأنس بهم ، وبعضها يستوحش منهم وينفر غاية النفار ؛ وبعضها لا يأكل إلا الطيب ، وبعضها لا يأكل إلا الخبائث ، وبعضها يجمع بين الأمرين ، وبعضها لا يؤذي إلا من بالغ في أذاها ، وبعضها يؤذي من لا يؤذيها ، وبعضها حقود لا تنسى الإساءة ، وبعضها لا يذكرها البتة ، وبعضها لا يغضب ، وبعضها يشتد غضبه ، فلا يزال يسترضى حتى يرضى ، وبعضها عنده علم ومعرفة بأمور دقيقة ، لا يهتدي إليها أكثر الناس ، وبعضها لا معرفة له بشيء من ذلك البتة ، وبعضها يستقبح القبيح ، وينفر منه ، وبعضها الحسن والقبيح سواء عنده ، وبعضها يقبل التعليم بسرعة ، وبعضها مع الطول ، وبعضها لا يقبل ذلك بحال.
وهذا كله من أدلّ الدلائل على الخالق لها سبحانه ، وعلى إتقان صنعه وعجيب تدبيره ولطيف حكمته ، فإنّ فيما أودعها من غرائب المعارف وغوامض الحيل وحسن التدبير والتأني لما تريده ما يستنطق الأفواه بالتسبيح ، ويملأ القلوب من معرفته ومعرفة حكمته وقدرته وما يعلم به كل عاقل ، أنه لم يخلق عبثا ولم يترك سدى ، وأن له سبحانه في كل مخلوق حكمة باهرة وآية ظاهرة وبرهانا قاطعا ، يدل على أنه رب كل شيء ومليكه ، وأنه المنفرد بكلّ كمال دون خلقه ، وأنه على كل شيء قدير ، وبكل شيء عليم.
فصل
فلنرجع إلى ما ساقنا إلى هذا الموضع ، وهو الكلام على الهداية العامة التي هي قرينة الخلق في الدلالة على الرب ، تبارك وتعالى ، وأسمائه وصفاته