منهم ، فأجابه موسى عن معارضته بأحسن جواب فقال (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي (٥٢)) [طه] أي : أعمال تلك القرون وكفرهم وشركهم معلوم لربي ، قد أحصاه وحفظه وأودعه في كتاب ، فيجازيهم عليه يوم القيامة ، ولم يودعه في كتاب خشية النسيان والضلال ، فإنه سبحانه لا يضلّ ولا ينسى ، وعلى هذا فالكتاب هاهنا كتاب الأعمال. وقال الكلبي : يعني به اللوح المحفوظ ، وعلى هذا فهو كتاب القدر السابق ، والمعنى على هذا أنه سبحانه قد علم أعمالهم ، وكتبها عنده قبل أن يعملوها ، فيكون هذا من تمام قوله (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠)) [طه] فتأمله.
فصل
وهو سبحانه في القرآن كثيرا ما يجمع بين الخلق والهداية ، كقوله في أول سورة أنزلها على رسوله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)) [العلق] وقوله : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)) [الرحمن] وقوله : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)) [البلد] وقوله : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣)) [الإنسان] وقوله (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ (٦٠)) [النمل] الآيات ثم قال (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (٦٣)) [النمل].
فالخلق إعطاء الوجود العيني الخارجي ، والهدى إعطاء الوجود العلمي الذهني ، فهذا خلقه ، وهذا هداه وتعليمه.