حال بينهم وبين ما لا يقدرون عليه ، وهو فعله ومشيئته وتوفيقه ، فهذا غير مقدور لهم ، وهو الذي منعوه وحيل بينهم وبينه ، فتأمل هذا الموضع ، واعرف قدره ، والله المستعان.
فصل
المرتبة الثالثة من مراتب الهداية : هداية التوفيق والإلهام ، وخلق المشيئة المستلزمة للفعل ، وهذه المرتبة أخصّ من التي قبلها ، وهي التي ضل جهّال القدرية بإنكارها ، وصاح عليهم سلف الأمة وأهل السنة منهم ، من نواحي الأرض عصرا بعد عصر ، إلى وقتنا هذا ، ولكن الجبرية ظلمتهم ولم تنصفهم ، كما ظلموا أنفسهم بإنكار الأسباب والقوى ، وإنكار فعل العبد وقدرته ، وأن يكون له تأثير في الفعل البتة ، فلم يهتدوا لقول هؤلاء ، بل زادهم ضلالا على ضلالهم وتمسكا بما هم عليه ، وهذا شأن المبطل إذا دعا مبطلا آخر إلى ترك مذهبه ، لقوله ومذهبه الباطل ، كالنصرانيّ إذا دعا اليهوديّ إلى التثليث وعبادة الصليب ، وأنّ المسيح إله تام غير مخلوق ، إلى أمثال ذلك من الباطل الذي هو عليه.
وهذه المرتبة تستلزم أمرين.
أحدهما : فعل الرب تعالى ، وهو الهدى.
والثاني : فعل العبد ، وهو الاهتداء ، وهو أثر فعله سبحانه ، فهو الهادي ، والعبد المهتدي ، قال تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ (١٧)) [الكهف].
ولا سبيل إلى وجود الأثر إلا بمؤثّره التام ، فإن لم يحصل فعله ، لم