من الهداية شيء (١).
وبعث إبليس مزينا ومغويا ، وليس إليه من الضلالة شيء ، قال تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)) [يونس] فجمع سبحانه بين الهداء يتبين العامة والخاصة ، فعم بالدعوة حجة مشيئة وعدلا ، وخص بالهداية نعمة مشيئة وفضلا ، وهذه المرتبة أخصّ من التي قبلها ، فإنها هداية تخص المكلفين ، وهي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحدا إلا بعد إقامتها عليه. قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥)) [الإسراء] وقال : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ (١٦٥)) [النساء] وقال : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧)) [الزمر] وقال : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩)) [الملك].
فإن قيل : كيف تقوم حجته عليهم ، وقد منعهم من الهدى ، وحال بينهم وبينه.
قيل : حجته قائمة عليهم بتخليته بينهم وبين الهدى ، وبيان الرسل لهم ، وإراءتهم الصراط المستقيم حتى كأنهم يشاهدونه عيانا ، وأقام لهم أسباب الهداية ظاهرا وباطنا ، ولم يحل بينهم وبين تلك الأسباب ، ومن حال بينه وبينها منهم بزوال عقل أو صغر لا تمييز معه أو كونه بناحية من الأرض لم تبلغه دعوة رسله ، فإنه لا يعذّبه حتى يقيم عليه حجته ، فلم يمنعهم من هذا الهدى ، ولم يحل بينهم وبينه. نعم قطع عنهم توفيقه ، ولم يرد من نفسه إعانتهم والإقبال بقلوبهم إليه ، فلم يحل بينهم وبين ما هو مقدور لهم ، وإن
__________________
(١) حديث باطل. رواه ابن عدي في «الكامل» (٣ / ٩١٠) عن عمر. وفيه خالد بن عبد الرحمن أبو الهيثم العبدي : قال الدارقطني : لا أعلمه روى غير هذا الحديث الباطل. وقد ذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» (١ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣).