يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ (١٨٦)) [الأعراف] ومعلوم قطعا أنّ البيان والدلالة قد تحصل له ، ولا تنفى عنه ، وكذلك قوله : (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ (٣٧)) [النحل] لا يصح حمله على هداية الدعوة والبيان ، فإن هذا يهدي ، وإن أضله الله بالدعوة والبيان وكذا قوله : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ (٢٣)) [الجاثية] هل يجوز حمله على معنى «فمن يدعوه إلى الهدى ، ويبين له ما تقوم به حجة الله عليه» وكيف يصنع هؤلاء بالنصوص التي فيها أنه سبحانه هو الذي أضلّهم ، أيجوز لهم حملها على أنه دعاهم إلى الضلال؟ فإن قالوا : ليس ذلك معناها ، وإنما معناها : ألفاهم ووجدهم كذلك ، أو أعلم ملائكته ورسله بضلالهم ، أو جعل على قلوبهم علامة ، يعرف الملائكة بها أنهم ضلّال ، قيل : هذا من جنس قولكم : إنّ هداه سبحانه وإضلاله بتسميتهم مهتدين وضالين ، فهذه أربع تحريفات لكم ، وهو أنه سماهم بذلك ، وعلمهم بعلامة يعرفهم بها الملائكة ، وأخبر عنهم بذلك ، ووجدهم كذلك. فالإخبار من جنس التسمية ، وقد بيّنا أنّ اللغة لا تحتمل ذلك ، وأن النصوص إذا تأمّلها المتأمل ، وجدها أبعد شيء من هذا المعنى. وأما العلامة ، فيا عجبا لفرقة التحريف وما جنت على القرآن والإيمان!! ففي أي لغة وأي لسان يدل قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (٥٦)) [القصص] على معنى إنك لا تعلمه بعلامة ، ولكن الله هو الذي يعلمه بها وقوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ (١٨٦)) [الأعراف] من يعلمه الله بعلامة الضلال ، لم يعلمه غيره بعلامة الهدى. وقوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها (١٣)) [السجدة] لعلّمناها بعلامة الهدى الذي خلقته هي لنفسها ، وأعطته نفسها ، وفي أيّ لغة يفهم من قول الداعي (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)) [الفاتحة] علمنا بعلامة يعرف الملائكة بها أننا مهتدون ، وقولهم (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا (٨)) [آل عمران] لا تعلمها بعلامة أهل الزيغ ، وقوله : يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك ، يا مصرّف القلوب