صرف قلبي على طاعتك ، وأمثال ذلك من النصوص. ففي أي لغة وأي لسان يفهم من هذا : علّمنا بعلامة الثبات والتصريف على طاعتك ، وفي أي لغة يكون معنى قوله : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً (١٣)) [المائدة] علّمناها بعلامة القسوة ، أو وجدناها كذلك.
نعم! لو نزل القرآن بلغة القدرية والجهمية وأهل البدع ، لأمكن حمله على ذلك ، أو كان الحق تبعا لأهوائهم ، وكانت نصوصه تبعا لبدع المبتدعين وآراء المتحيرين ، وأنت تجد جميع هذه الطوائف تنزل القرآن على مذاهبها وبدعها وآرائها. فالقرآن عند الجهمية جهمي ، وعند المعتزلة معتزلي ، وعند القدرية قدري ، وعند الرافضة رافضي. وكذلك هو عند جميع أهل الباطل ، وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ، ولكن أكثرهم لا يعلمون.
وأما تحريفهم هذه النصوص وأمثالها ، بأن المعنى : ألفاهم ووجدهم ، ففي أيّ لسان وأي لغة وجدتم : هديت الرجل إذا وجدته مهتديا؟ وختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة ، وجده كذلك ، وهل هذا إلا افتراء محض على القرآن واللغة؟! فإن قالوا : نحن لم نقل هذا في نحو ذلك ، وإنما قلناه في نحو : أضلّه الله ، أي : وجده ضالا ، كما يقال أحمدت الرجل ، وأبخلته ، وأجننته ، إذا وجدته كذلك ، أو نسبته إليه. فيقال لفرقة التحريف هذا : إنما ورد في ألفاظ معدودة نادرة ، وإلا فوضع هذا البناء على أنك فعلت ذلك به ، ولا سيما إذا كانت الهمزة للتعدية من الثلاثي ، كقام وأقمته ، وقعد وأقعدته وذهب وأذهبته ، وسمع وأسمعته ، ونام وأنمته ، وكذا ضلّ وأضله الله ، وأسعده وأشقاه وأعطاه وأخزاه وأماته وأحياه ، وأزاغ قلبه ، وأقامه إلى طاعته ، وأيقظه من غفلته ، وأراه آياته ، وأنزله منزلا مباركا ، وأسكنه جنته إلى أضعاف ذلك ، هل تجد فيها لفظا واحدا معناه ، أنه وجده كذلك ، تعالى الله عما يقول المحرفون.