الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ، وقريب من هذا قوله : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (١٧٧)) [البقرة] الآية.
وعلى التقديرين فقد أثبت للقلب عمى حقيقة ، وهكذا جميع ما نسب إليه ، ولما كان القلب ملك الأعضاء ، وهي جنوده ، وهو الذي يحركها ويستعملها ، والإرادة والقوى والحركة الاختيارية تنبعث ، كانت هذه الأمثال أصلا وللأعضاء تبعا ، فلنذكر هذه الأمور مفصلة ومواقعها في القرآن ، فقد تقدم الختم. قال الأزهري : وأصله التغطية ، وختم البذر في الأرض : إذا غطاه.
قال أبو إسحاق : معنى ختم وطبع في اللغة واحد ، وهو التغطية على الشيء ، والاستيثاق منه ، فلا يدخله شيء ، كما قال تعالى : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)) [محمد] ، وكذلك قوله : (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ (١٦)) [محمد]. قلت : الختم والطبع يشتركان فيما ذكر ، ويفترقان في معنى آخر ، وهو أن الطبع ختم يصير سجيّة وطبيعة ، فهو تأثير لازم لا يفارق ، وأما الأكنّة ففي قوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ (٢٥)) [الأنعام] وهي جمع كنان كعنان وأعنة ، وأصله من الستر والتغطية ، ويقال : كنه وأكنه. وكنان بمعنى واحد ، بل بينهما فرق ، فأكنّه إذا ستره وأخفاه كقوله تعالى : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ (٢٣٥)) [البقرة]. وكنه إذا صانه وحفظه كقوله : بيض مكنون ، ويشتركان في الستر. والكنان ما أكن الشيء وستره ، وهو كالغلاف ، وقد أقروا على أنفسهم بذلك ، فقالوا : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ (٥)) [فصلت] فذكروا غطاء القلب ، وهي الأكنة ، وغطاء الأذن وهو الوقر ، وغطاء العين وهو الحجاب. والمعنى : لا نفقه كلامك ، ولا نسمعه ، ولا نراك. والمعنى : إنا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يفقه ما تقول ، ولا يراك. قال ابن عباس : قلوبنا في أكنة مثل الكنانة التي