الأول ، فتزيين الرب تعالى عدل ، وعقوبته حكمة ، وتزيين الشيطان إغواء وظلم ، وهو المسبب الخارج عن العبد ، والسبب الداخل فيه حبه وبغضه وإعراضه ، والرب سبحانه خالق الجميع ، والجميع واقع بمشيئته وقدرته ، ولو شاء لهدى خلقه أجمعين. والمعصوم من عصمه الله ، والمخذول من خذله الله ، ألا له الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين.
فصل
وأما عدم مشيئته سبحانه وإرادته فكما قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ (٤١)) [المائدة] وقال (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها (١٣)) [السجدة] (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً (٩٩)) [يونس] وعدم مشيئته للشيء مستلزم لعدم وجوده ، كما أن مشيئته تستلزم وجوده ، فما شاء الله وجب وجوده ، وما لم يشأ امتنع وجوده ، وقد أخبر سبحانه أنّ العباد لا يشاءون إلا بعد مشيئته ، ولا يفعلون شيئا إلا بعد مشيئته ، فقال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ (٣٠)) [الإنسان] وقال : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ (٥٦)) [المدثر] فإن قيل : فهل يكون الفعل مقدورا للعبد في حال عدم مشيئة الله له أن يفعله؟ قيل : إن أريد بكونه مقدورا سلامة آلة العبد التي يتمكن بها من الفعل ، وصحة أعضائه ، ووجود قواه ، وتمكينه من أسباب الفعل ، وتهيئة طريق فعله ، وفتح الطريق له ، فنعم ، هو مقدور بهذا الاعتبار ، وإن أريد بكونه مقدورا القدرة المقارنة للفعل ، وهي الموجبة له التي إذا وجدت ، لم يتخلف عنها الفعل ، فليس بمقدور بهذا الاعتبار ؛ وتقرير ذلك أن القدرة نوعان :