أعمالهم.
وهؤلاء راعوا جانب الملك ، وعطّلوا جانب الحمد ، والله سبحانه له الملك وله الحمد.
وسلكت القدرية وادي العدل والحكمة ، ولم يوفوه حقّه ، وعطّلوا جانب التوحيد ، وحاروا في هذا الحديث ، ولم يدروا ما وجهه ، وربما قابله كثير منهم بالتكذيب والردّ له ، وأن الرسول لم يقل ذلك ، قالوا : وأي ظلم يكون أعظم من تعذيب من استنفد أوقات عمره كلها ، واستفرغ قواه في طاعته ، وفعل ما يحبه ، ولم يعصه طرفة عين ، وكان يعمل بأمره دائما ، فكيف يقول الرسول صلىاللهعليهوسلم : إن تعذيب هذا يكون عدلا لا ظلما؟! قالوا : ولا يقال : إن حقه عليهم ، وما ينبغي له أعظم من طاعاتهم ، فلا تقع تلك الطاعات في مقابلة نعمه وحقوقه ، فلو عذّبهم ، لعذّبهم بحقه عليهم ، لأنهم إذا فعلوا مقدورهم من طاعته ، لم يكلفوا بغيره ، فكيف يعذبون على ترك ما لا قدرة لهم عليه ، وهل ذلك إلا بمنزلة تعذيبهم على كونهم لم يخلقوا السموات والأرض ، ونحو ذلك مما لا يدخل تحت مقدورهم.
قالوا : فلا وجه لهذا الحديث إلا ردّه ، أو تأويله وحمله على معنى يصح ، وهو أنه لو أراد تعذيبهم ، جعلهم أمة واحدة على الكفر ، فلو عذبهم في هذه الحال لكان غير ظالم لهم ، وهو لم يقل لو عذبهم مع كونهم مطيعين له عابدين له ، لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ثم أخبر أنه لو عمّهم بالرحمة لكانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم ، ثم أخبر أنه لا يقبل من العبد عمل حتى يؤمن بالقدر ، والقدر علم الله بالكائنات وحكمه فيها.
ووقفت طائفة أخرى في وادي الحيرة بين القدر والأمر والثواب والعقاب ، فتارة يغلب عليهم شهود القدر ، فيغيبون به عن الأمر ، وتارة يغلب عليهم