وقالت فرقة أخرى : إنما حجّه لأنه كان قد تاب من الذنب. والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ولا يجوز لومه ، وهذا وإن كان أقرب مما قبله فلا يصحّ لثلاثة أوجه أحدها : أن آدم لم يذكر ذلك الوجه ولا جعله حجة على موسى ولم يقل : أتلومني على ذنب قد تبت منه. الثاني : أن موسى أعرف بالله سبحانه وبأمره ودينه من أن يلوم على ذنب قد أخبره سبحانه أنه قد تاب على فاعله واجتباه بعده وهداه ، فإن هذا لا يجوز لآحاد المؤمنين أن يفعله فضلا عن كليم الرحمن. الثالث : أن هذا يستلزم إلغاء ما علق به النبي صلىاللهعليهوسلم وجه الحجة واعتبار ما ألغاه فلا يلتفت إليه.
وقالت فرقة أخرى : إنما حجّه لأنه لامه في غير دار التكليف ولو لامه في دار التكليف لكانت الحجة لموسى عليه. وهذا أيضا فاسد من وجهين أحدهما : أن آدم لم يقل له : لمتني في غير دار التكليف وإنما قال : أتلومني على أمر قدر عليّ قبل أن أخلق؟! فلم يتعرض للدار وإنما احتج في القدر السابق. الثاني : أن الله سبحانه يلوم الملومين من عباده في غير دار التكليف فيلومهم بعد الموت ويلومهم يوم القيامة.
وقالت فرقة أخرى : إنما حجه لأن آدم شهد الحكم وجريانه على الخليقة وتفرّد الربّ سبحانه بربوبيته وأنه لا تحرك ذرة إلا بمشيئته وعلمه وأنه لا رادّ لقضائه وقدره وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. قالوا : ومشاهدة العبد الحكم لا يدع له استقباح سيئة لأنه شهد نفسه عدما محضا والأحكام جارية عليه معروفة له وهو مقهور مربوب مدبر لا حيلة له ولا قوة له. قالوا : ومن شهد هذا المشهد سقط عنه اللوم.
وهذا المسلك أبطل مسلك سلك في هذا الحديث ، وهو شرّ من مسلك القدرية في رده ، وهم إنما ردوه إبطالا لهذا القول وردا على قائليه وأصابوا في رد حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن هذا المسلك لو صحّ لبطلت الديانات