إلى الاستدلال على ثبوتها كلها ، وحينئذ فنقول : أيّ لازم لزم من إثبات فعله ، كان القول به خيرا من نفي الفعل وتعطيله ، فإن ثبت قيام فعله له من غير قيام الحوادث به ، كما يقوله كثير من الناس ، بطل قولكم ، وإن لزم من إثبات فعله قيام الأمور الاختيارية به ، والقول بأنها مفتتحة ، ولها أوّل ، فهو خير من قولكم كما تقوله الكرامية ، وإن لزم تسلسلها وعدم أوليتها في الأفعال اللازمة ، فهو خير من قولكم ، وإن لزم تسلسل الآثار وكونه سبحانه لم يزل خالقا ، كما دلّ عليه النصّ والعقل ، فهو خير من قولكم ، ولو قدّر أنه يلزم أن الخلق لم يزل مع الله قديما بقدمه ، كان خيرا من قولكم ، مع أن هذا لا يلزم ، ولم يقل به أحد من أهل الإسلام ، بل ولا أهل الملل ، فكلهم متفقون على أنّ الله وحده الخالق ، وكل ما سواه مخلوق موجود بعد عدمه ، وليس معه غيره من المخلوقات يكون وجوده مساويا لوجوده ، فما لزم بعد هذا من إثبات خلقه وأمره وصفات كماله ونعوت جلاله وكونه ربّ العالمين ، وأن كماله المقدس من لوازم ذاته ، فإنّا به قائلون ، وله ملتزمون ، كما أنّا ملتزمون لكل ما لزم من كونه حيا عليما قديرا سميعا بصيرا متكلما آمرا ناهيا فوق عرشه ، بائن من خلقه ، يراه المؤمنون بأبصارهم عيانا في الجنة وفي عرصات القيامة ، ويكلّمهم ويكلمونه ، فإن هذا حقّ ، ولازم الحقّ مثله ، وما لم يلزم من إثبات ذلك من الباطل الذي تتخيّله خفافيش القول ، فنحن له منكرون ، وعن القول به عادلون ، وبالله التوفيق.
قال القدري : كون العبد موجدا لأفعاله ، وهو الفاعل لها ، من أجلى الضروريات والبديهيات ، فإن كلّ عاقل يعلم من نفسه أنه فاعل لما يصدر منه من الأفعال الواقعة على وفق قصده وداعيته ، بخلاف حركة المرتعش والمجرور على وجهه ، وهذا لا يتمارى فيه العاقل ، ولا يقبل التشكيك والقدح في ذلك ، والاستدلال على خلافه استدلال على بطلان ما علمت صحّته بالضرورة فلا يكون مقبولا.