والتكثير فيه وهم محض.
وهؤلاء منكرو الأسباب يزعمون أنه لا حرارة في النار تحرق بها ، ولا رطوبة في الماء يروى بها ، وليس في الأجسام أصلا لا قوى ولا طبائع ، ولا في العالم شيء يكون سببا لشيء آخر البتة ، وإن لم تكن هذه الأمور جحدا للضروريات ، فليس في العالم من جحد الضروريات ، وإن كانت جحدا للضروريات ، بطل قولكم : إن جمعا من العقلاء لا يتفقون على ذلك ، والأقوال التي يجحد بها المتكلمون الضروريات أضعاف أضعاف ما ذكرناه ، فهم أجحد الناس لما يعلم بضرورة العقل ، وكيف يصحّ ، في عقل سليم ، سميع لا سمع له ، بصير لا بصر له ، حيّ لا حياة له؟! أم كيف يصح ، عند ذي عقل ، مرئيّ يرى بالأبصار عيانا ، لا فوق الرائي ولا تحته ، ولا عن يمينه ولا عن شماله ، ولا عن يساره ولا خلفه ، ولا أمامه؟! أم كيف يصح عند ذي عقل إثبات كلام قديم أزليّ ، لو كان البحر يمده من بعده سبعة أبحر ، وجميع أشجار الأرض على اختلافها وكبرها وصغرها أقلام ، يكتب به ، لنفدت البحار ، وفنيت الأقلام ، ولم يفن ذلك الكلام ، ومع هذا فهو معنى واحد ، لا جزء له ، ولا ينقسم ، وهو والنهي فيه عين الأمر ، والنفي فيه عين الإثبات ، والخبر فيه عين الاستخبار ، والتوراة فيه عين الإنجيل وعين القرآن ، وذلك كله أمر واحد ، إنما يختلف بمسمياته ونسبه ، وقد أطبق على هذا جمع عظيم من العقلاء ، وكفّروا من خالفهم فيه ، واستحلّوا منهم ما حرمه الله.
وهؤلاء الجهمية يقولون : إن للعالم صانعا قائما بذاته ، ليس في العالم ، ولا هو خارج العالم ، ولا فوق العالم ، ولا تحته ولا خلفه ولا أمامه ولا عن يمينه ولا عن يسرته ، ولا هو مباين له ولا محايث له ، فوصفوا واجب الوجود بصفة ممتنع الوجود ، وكفّروا من خالفهم في ذلك ، واستحلوا دمه ،