فهذه أربعة مواضع حكى فيها الاحتجاج بالقدر عن أعدائه وشيخهم وإمامهم في ذلك عدوه الأحقر إبليس حيث احتج عليه بقضائه فقال (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩)) [الحجر] فإن قيل : قد علم بالنصوص والمعقول صحة قولهم : لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا. ولو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا. ولو شاء الرحمن ما عبدناهم. فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وقد قال تعالى (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ (١٣٧)) [الأنعام] وقال (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها (١٣)) [السجدة] فكيف أكذبهم ونفى عنهم العلم وأثبت لهم الخرص فيما هم فيه صادقون ، وأهل السنة جميعا يقولون : لو شاء الله ما أشرك به مشرك ولا كفر به كافر ولا عصاه أحد من خلقه ، فكيف ينكر عليهم ما هم فيه صادقون.
(قيل :) أنكر سبحانه عليهم ما هم فيه أكذب الكاذبين وأفجر الفاجرين ولم ينكر عليهم صدقا ولا حقّا بل أنكر عليهم أبطل الباطل ، فإنهم لم يذكروا ما ذكروه إثباتا لقدره وربوبيته ووحدانيته وافتقارا إليه وتوكلا عليه واستعانة به ، ولو قالوه كذلك لكانوا مصيبين ، وإنما قالوه معارضين به لشرعه ودافعين به لأمره فعارضوا شرعه وأمره ، ودفعوه بقضائه وقدره ووافقهم على ذلك كلّ من عارض الأمر ودفعه بالقدر.
وأيضا فإنهم احتجوا بمشيئته العامة وقدره على محبته لما شاءه ورضاه به وإذنه فيه فجمعوا بين أنواع من الضلال معارضة الأمر بالقدر ودفعه به والإخبار عن الله أنه يحب ذلك منهم ويرضاه حيث شاءه وقضاه وأن لهم الحجة على الرسل بالقضاء والقدر وقد ورثهم في هذا الضلال وتبعهم عليه طوائف من الناس ممن يدّعي التحقيق والمعرفة أو يدعى فيه ذلك. وقالوا : العارف إذا شاهد الحكم سقط عنه اللوم ؛ وقد وقع في كلام شيخ الإسلام أبي اسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري ما يوهم ذلك وقد أعاذه الله منه ،