تلك المقامات ذهبت وارتفع عنها العبد ، لكن بمعنى أنّ الشهود ستر محلها من القلب ، وانطوت واندرجت في ضمن ما وجده اندراج الحال النازل في الحال العالي ، فصارت فيما وجده الواجد من وجود الحق ضمنا وتبعا ، وصار القلب مشتغلا بالحال الأعلى عن الحال الأدنى بحيث لو فتش قلب العبد لوجد فيه الزهد والورع وحقائق الخوف والرجاء مستورا بأمثال الجبال من الأحوال الوجودية التي يضيق القلب عن الاتساع لمجموعها ، وفي حال البقاء والصحو والتمييز تعود عليه تلك المقامات بالله لا بوجود نفسه. إذا علمت ذلك ، انحل إشكال قوله : إنّ مشاهدة العبد لم تدع له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة لصعوده إلى معنى الحكم أي : إن صفة حكم الله حشت بصيرته ، وملأتها فشهد قيام الله على الأشياء وتصرّفه فيها وحكمه عليها ، فرأى الأشياء كلها منه صادرة عن نفاذ حكمه وتقديره وإرادته القدرية ، فغاب بما لاحظ من الجمع عن التمييز والفرق ، ويسمى هذا جمعا ، لأنّ العبد اجتمع نظره إلى مولاه في كلّ حكم وقع في الكون ، وفي ملاحظة هذا الحكم الذي صدرت عنه التصرفات اجتمع قلبه ، ولضعف قلبه حين هذا الاجتماع لم يتّسع للتمييز الشرعي بين الحسن والقبيح ، بمعنى أنه انطوى حكم معرفته بالحسن والقبيح في طيّ هذه المعرفة الساترة له عن التمييز ، لا بمعنى أنه ارتفع عن قلبه حكم التحسين والتقبيح ، بل اندرج في مشهده ، وانطوى بحيث لو فتش لوجد حكم التحسين والتقبيح مستورا في طيّ مشهده ذلك وبالله التوفيق.
وتلخيص ما ذكره شيخنا رحمهالله أنّ للفعل وجهين ؛ وجه قائم بالرب تعالى ، وهو قضاؤه وقدره له وعلمه به ، والعبد له ملاحظتان : ملاحظة للوجه الأول ، وملاحظة للوجه الثاني ، والكمال أن لا يغيب بأحد الملاحظتين عن الأخرى ، بل يشهد قضاء الرب وقدره ومشيئته ، ويشهد مع ذلك فعله وجنايته وطاعته ومعصيته ، فيشهد الربوبية والعبودية فيجتمع في