وقضائه وقدره ، فما أراد أن يخلقه أو يفعله ، كان أن يخلقه ويفعله خيرا من أن لا يخلقه ولا يفعله ، وبالعكس ، وما كان عدمه خيرا من وجوده ، فوجوده شر ، وهو لا يفعله ، بل هو منزه عنه ، والشر ليس إليه.
فإن قلت : فلم خلقه ، وهو شر؟.
قلت : خلقه له وفعله خير لا شرّ ، فإنّ الخلق والفعل قائم به سبحانه ، والشر يستحيل قيامه به واتصافه به. وما كان في المخلوق من شرّ فلعدم إضافته ونسبته إليه ، والفعل والخلق يضاف إليه ، فكان خيرا ، والذي شاءه كله خير ، والذي لم يشأ وجوده ، بقي على العدم الأصلي وهو الشر ، فإن الشر كله عدم ، وإن سببه جهل ، وهو عدم العلم ، أو ظلم ، وهو عدم العدل ، وما يترتب على ذلك من الآلام فهو من عدم استعداد المحل وقبوله لأسباب الخيرات واللذات.
فإن قلت : كثير من الناس يطلق القول بأنّ الخير كله من الوجود ولوازمه ، والشرّ كله من العدم ولوازمه ، والوجود خير ، والشر المحض لا يكون إلا عدما.
قلت : هذا اللفظ فيه إجمال ، فإن أريد به أنّ كلّ ما خلقه الله وأوجده ففيه الخير ، ووجوده خير من عدمه ، وما لم يخلقه ولم يشأه فهو المعدوم الباقي على عدمه ، ولا خير فيه ، إذ لو كان فيه خير لفعله ، فإنه بيده الخير ، فهذا صحيح ، فالشرّ العدمي هو عدم الخير ، وإن أريد أن كل ما يلزم الوجود فهو خير ، وكلّ ما يلزم العدم فهو شر ، فليس بصحيح ، فإن الوجود قد يلزمه شر مرجوح ، والعدم قد يلزمه خير راجح. مثال الأول النار والمطر والحر والبرد والثلج ووجود الحيوانات ، فإن هذا موجود ، ويلزمه شر جزئي مغمور بالنسبة إلى ما في وجود ذلك من الخير ، وكذلك المأمور به قد يلزمه من الألم